مفردات ألفاظ القرآن. - للأصفهاني
كتاب الحاء
حكم
-حكم أصله: منع منعا لإصلاح،
ومنه سميت اللجام: حكمة الدابة، فقيل: حكمته وحكمت الدابة: منعتها
بالحكمة، وأحكمتها: جعلت لها حكمة، وكذلك: حكمت السفيه وأحكمته، قال
الشاعر:
120 - أبني حنيفة أحكموا
سفهاءكم * (الشطر لجرير، وهو في ديوانه ص 47؛ والمجمل 1/246؛
وأساس البلاغة ص 91. وعجزه:
إني أخاف عليكم أن أغضبا)
وقوله: {أحسن كل شيء خلقه} <السجدة/7>، {فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم
الله آياته والله عليم حكيم} <الحج/52>، والحكم بالشيء: أن
تقضي بأنه كذا، أو ليس بكذا، سواء ألزمت ذلك غيره أو لم تلزمه، قال تعالى:
{وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} <النساء/58>، {ويحكم به
ذوا عدل منكم} <المائدة/95>، وقال:
121 - فاحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت * إلى حمام سراع وارد الثمد
(البيت للنابغة الذبياني من معلقته، وهو في ديوانه ص 34؛ وشرح المعلقات
للنحاس 2/168؛ والبصائر 2/491؛ واللسان (حكم) )
والثمد: الماء القليل، وقيل معناه: كن حكيما.
وقال عز وجل: {أفحكم الجاهلية يبغون} <المائدة/50>، وقال تعالى:
{ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} <المائدة/50>، ويقال: حاكم
وحكام لمن يحكم بين الناس، قال الله تعالى: {وتدلوا بها إلى الحكام}
<البقرة/188>، والحكم: المتخصص بذلك، فهو أبلغ. قال الله تعالى:
{أفغير الله أبتغي حكما} <الأنعام/114>، وقال عز وجل: {فابعثوا حكما
من أهله وحكما من أهلها} <النساء/35>، وإنما قال: {حكما} ولم يقل:
حاكما؛ تنبيها أن من شرط الحكمين أن يتوليا الحكم عليهم ولهم حسب ما
يستصوبانه من غير مراجعة إليهم في تفصيل ذلك، ويقال الحكم للواحد والجمع،
وتحاكمنا إلى الحاكم.
قال تعالى: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} <النساء/60>، وحكمت
فلانا، قال تعالى: {حتى يحكموك فيما شجر بينهم} <النساء/65>، فإذا
قيل: حكم بالباطل، فمعناه: أجرى الباطل مجرى الحكم. والحكمة: إصابة الحق بالعلم والعقل،
فالحكمة من الله تعالى: معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، ومن
الإنسان: معرفة الموجودات وفعل الخيرات.
وهذا هو الذي وصف به لقمان في قوله عز وجل: {ولقد آتينا لقمان الحكمة}
<لقمان/12>، ونبه على جملتها بما وصفه بها، فإذا قيل في الله تعالى:
هو حكيم (راجع: الأسماء والصفات ص 38)، فمعناه بخلاف معناه إذا وصف به
غيره، ومن هذا الوجه قال الله تعالى: {أليس الله بأحكم الحاكمين}
<التين/8>، وإذا وصف به القرآن فلتضمنه الحكمة، نحو: {آلر تلك آيات
الكتاب الحكيم} <يونس/1>، وعلى ذلك قال: {ولقد جاءهم من الأنباء ما
فيه مزدجر * حكمة بالغة} <القمر/4 - 5>، وقيل: معنى الحكيم المحكم
(انظر المدخل لعلم التفسير ص 273، نحو: {أحكمت آياته} <هود/1>،
وكلاهما صحيح، فإنه محكم ومفيد للحكم، ففيه المعنيان جميعا، والحكم أعم من الحكمة، فكل حكمة
حكم، وليس كل حكم حكمة، فإن الحكم أن يقضي بشيء على شيء، فيقول: هو
كذا أو ليس بكذا، قال صلى الله عليه وسلم: (إن من الشعر لحكمة) (الحديث
أخرجه البخاري في الأدب، باب ما يجوز من الشعر والأدب 10/445؛ وأبو داود،
وروايته: (إن من الشعر لحكما). انظر: معالم السنن 4/136؛ ومجمع الفوائد
2/260؛ وشرح السنة 12/369) أي: قضية صادقة (هذا اصطلاح أهل المنطق،
والقضية مرادقة للخبر، وتعريفها: مركب احتمل الصدق والكذب لذاته.
قال الأخضري في السلم:
ما احتمل الصدق لذاته جرى * بينهم قضية وخبرا
راجع: شرح السلم ص 9)، وذلك نحو قول لبيد:
122 - إن تقوى ربنا خير نفل * (وعجزه: وبإذن الله ريثي وعجل
انظر: ديوانه ص 139)
قال الله تعالى: {وآتيناه الحكم صبيا} <مريم/12>، وقال صلى الله
عليه وسلم: (الصمت حكم وقليل فاعله) (أخجره البيهقي في (الشعب) عن أنس
مرفوعا بسند ضعيف؛ والقضاعي عن أنس؛ والديلمي في الفردوس عن ابن عمر؛ وصحح
أنه موقوف من قول لقمان، وكذا أخرجه ابن حبان في (روضة العقلاء) بسند صحيح
ص 41. وقال السيوطي: أخرج العسكري في (الأمثال) والحاكم والبيهقي في
(الشعب) عن أنس أن لقمان كان عبدا لداود عليه السلام، وهو يسرد الدرع،
فجعل يفتله هكذا بيده، فجعل لقمان عليه السلام يتعجب ويريد أن يسأله،
وتمنعه حكمته أن يسأله، فلما فرغ منها صبها على نفسه وقال: نعم درع الحرب
هذه، فقال لقمان: الصمت من الحكمة وقليل فاعله، كنت أردت أن أسألك فسكت
حتى كفيتني. راجع: الدر المنثور 6/513؛ وكشف الخفاء 2/32؛ والفتح الكبير
2/202) أي: حكمة، {ويعلمهم الكتاب والحكمة} <آل عمران/164>، وقال
تعالى: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة}
<الأحزاب/34>، قيل: تفسير القرآن، ويعني ما نبه عليه القرآن من ذلك:
{إن الله يحكم ما يريد} <المائدة/1>، أي: ما يريده يجعله حكمة، وذلك
حث للعباد على الرضى بما يقضيه. قال ابن عباس رضي الله عنه في قوله: {من
آيات الله والحكمة} <الأحزاب/34>، هي علم القرآن، ناسخه، محكمه
ومتشابهه.
وقال ابن زيد (عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، مات سنة 182 ه. انظر: طبقات
المفسرين للداوودي 1/271) : هي علم آياته وحكمه. وقال السدي (إسماعيل بن
عبد الرحمن السدي، أبو محمد الأعور. انظر: طبقات المفسرين 1/110) : هي
النبوة، وقيل: فهم حقائق القرآن، وذلك إشارة إلى أبعاضها التي تختص بأولي
العزم من الرسل، ويكون سائر الأنبياء تبعا لهم في ذلك. وقوله عز وجل:
{ويحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا} <المائدة/44>، فمن
الحكمة المختصة بالأنبياء أو من الحكم قوله عز وجل: {آيات محكمات هن أم
الكتاب وأخر متشابهات} <آل عمران/7>، فالمحكم: ما لا يعرض فيه شبهة
من حيث اللفظ، ولا من حيث المعنى. والمتشابه على أضرب تذكر في بابه إن شاء
الله (انظر: باب (شبه) ). وفي الحديث: (إن الجنة للمحكمين) (الحديث في
النهاية 1/419؛ والفائق 1/303) قيل: هم قوم خيروا بين أن يقتلوا مسلمين
وبين أن يرتدوا فاختاروا القتل (أخرجه عبد الرزاق في المصنف 5/265 عن
مجاهد). وقيل: عنى المتخصصين بالحكمة.
حكم
الله سبحانه وتعالى أَحْكَمُ الحاكمِينَ، وهو الحَكِيمُ له الحُكْمُ،
سبحانه وتعالى. قال الليث: الحَكَمُ الله تعالى. الأَزهري: من صفات الله
الحَكَمُ والحَكِيمُ والحاكِمُ، ومعاني هذه الأَسماء متقارِبة، والله أعلم
بما أَراد بها، وعلينا الإيمانُ بأَنها من أَسمائه. ابن الأَثير: في
أَسماء الله تعالى الحَكَمُ والحَكِيمُ وهما بمعنى الحاكِم، وهو القاضي،
فَهو فعِيلٌ بمعنى فاعَلٍ، أو هو الذي يُحْكِمُ الأَشياءَ ويتقنها، فهو
فَعِيلٌ بمعنى مُفْعِلٍ، وقيل: الحَكِيمُ ذو الحِكمة،
والحَكْمَةُ عبارة
عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم. ويقال لمَنْ يُحْسِنُ دقائق
الصِّناعات ويُتقنها: حَكِيمٌ، والحَكِيمُ يجوز أن يكون بمعنى
الحاكِمِ
مثل قَدِير بمعنى قادر وعَلِيمٍ بمعنى عالِمٍ. الجوهري: الحُكْم
الحِكْمَةُ من العلم، والحَكِيمُ العالِم وصاحب الحِكْمَة. وقد حَكُمَ أي
صار حَكِيماً؛ قال النَّمِرُ بن تَوْلَب:
وأَبْغِض بَغِيضَكَ بُغْضاً رُوَيْداً،
إذا أنتَ حاوَلْتَ أن تَحْكُـمـا
أي إذا حاوَلتَ أن تكون حَكيِماً. والحُكْمُ: العِلْمُ والفقه؛ قال الله
تعالى: وآتيناه الحُكْمَ صَبِيّاً، أي علماف وفقهاً، هذا لِيَحْيَى بن
زَكَرِيَّا؛ وكذلك قوله:
الصَّمْتُ حُكْمٌ وقليلٌ فاعِلُهْ
وفي الحديث: إنَّ من الشعر لحُكْماً أي إِن في الشعر كلاماً نافعاً يمنع
من الجهل والسَّفَهِ ويَنهى عنهما، قيل: أراد بها المواعظ والأمثال التي
ينتفع الناس بها. والحُكْمُ: العِلْمُ والفقه والقضاء بالعدل، وهو مصدر
حَكَمَ يَحْكُمُ، ويروى: إن من الشعر لحِكْمَةً، وهو بمعنى الحُكم؛ ومنه
الحديث: الخِلافةُ في قُرَيش والحُكْمُ في الأنصار؛ خَصَّهُم بالحُكْمِ
لأن أكثر فقهاء الصحابة فيهم، منهم مُعاذُ ابن جَبَلٍ وأُبَيّ بن كَعْبٍ
وزيد بن ثابت وغيرهم. قال الليث: بلغني أنه نهى أن يُسَمَّى الرجلُ
حكِيماً قال الأزهري: وقد سَمَّى الناسُ حَكيماً وحَكَماً، قال: وما علمتُ
النَّهي عن التسمية بهما صَحيحاً. ابن الأثير: وفي حديث أبي شُرَيْحٍ أنه
كان يكنى أبا الحَكَمِ فقال له النبي، صلى الله عليه وسلم: إن الله هو
الحَكَمُ، وكناه بأَبي شُرَيْحٍ، وإنما كَرِه له ذلك لئلا يُشارِكَ الله
في صفته؛ وقد سَمّى الأَعشى القصيدة المُحْكمَةَ حَكِيمَةً فقال:
وغَريبَةٍ، تأْتي المُلوكَ، حَكِيمَةٍ،
قد قُلْتُها ليُقالَ: من ذا قالَها?
وفي الحديث في صفة القرآن: وهو
الذِّكْرُ الحَكِيمُ أي الحاكِمُ لكم
وعليكم، أو هو المُحْكَمُ الذي لا اختلاف فيه ولا اضطراب، فَعِيلٌ
بمعنى
مُفْعَلٍ، أُحْكِمَ فهو مُحْكَمٌ. وفي حديث ابن عباس: قرأْت المُحْكَمَ
على عَهْدِ رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ يريد المُفَصَّلَ من القرآن
لأنه لم يُنْسَخْ منه شيء،
وقيل: هو ما لم يكن متشابهاً لأنه أُحْكِمَ
بيانُه بنفسه ولم يفتقر إلى غيره، والعرب تقول: حَكَمْتُ
وأَحْكَمْتُ
وحَكَّمْتُ بمعنى مَنَعْتُ ورددت، ومن هذا قيل للحاكم بين الناس حاكِمٌ،
لأنه يَمْنَعُ الظالم من الظلم. وروى المنذري عن أَبي طالب أنه قال في
قولهم: حَكَمَ الله بيننا؛
قال
الأصمعي: أصل الحكومة رد الرجل عن الظلم،
قال: ومنه سميت حَكَمَةُ اللجام لأَنها تَرُدُّ الدابة? ومنه قول لبيد:
أَحْكَمَ الجِنْثِيُّ من عَوْراتِها
كلَّ حِرْباءٍ، إذا أُكْرِهَ صَلّ
أبو عدنان: اسْتَحْكَمَ الرجلُ إذا تناهى عما يضره في دِينه أو دُنْياه؛
قال ذو الرمة:
لمُسْتَحْكِمٌ جَزْل المُرُوءَةِ مـؤمِـنٌ
من القوم، لا يَهْوى الكلام اللَّواغِيا
وأَحْكَمْتُ الشيء
فاسْتَحْكَمَ: صار مُحْكَماً. واحْتَكَمَ الأمرُ
واسْتَحْكَمَ: وثُقَ. الأَزهري:
وقوله تعالى: كتاب أُحْكِمَتْ
آياته
فُصِّلَتْ من لَدُنْ حَكيم خبير؛ فإن التفسير جاء: أُحْكِمَتْ آياته
بالأمر والنهي والحلالِ والحرامِ ثم فُصِّلَتْ بالوعد والوعيد، قال:
والمعنى، والله أعلم، أن آياته أُحْكِمَتْ وفُصِّلَتْ بجميع ما يحتاج إليه
من الدلالة على توحيد الله وتثبيت نبوة الأنبياء وشرائع الإسلام،
والدليل
على ذلك قول الله عز وجل: ما فرَّطنا في الكتاب من شيء؛ وقال بعضهم في قول
الله تعالى: الر تلك آيات الكتاب الحَكِيم؛ إنه فَعِيل بمعنى مُفْعَلٍ،
واستدل بقوله عز وجل: الر كتاب
أُحْكِمَتْ آياته؛ قال الأزهري: وهذا إن
شاء الله كما قِيل، والقرآنُ يوضح بعضُه بعضاً، قال: وإنما جوزنا
ذلك
وصوبناه لأَن حَكَمْت يكون بمعنى أَحْكَمْتُ فَرُدَّ إلى الأصل، والله
أعلم.
وحَكَمَ الشيء
وأَحْكَمَهُ، كلاهما: منعه من الفساد. قال الأزهري:
وروينا عن إبراهيم النخعي أنه قال:
حَكِّم اليَتيم كما تُحكِّمُ ولدك
أي
امنعه من الفساد وأصلحه كما تصلح ولدك وكما تمنعه من الفساد،
قال: وكل من
منعته من شيء فقد حَكَّمْتَه وأحْكَمْتَهُ، قال: ونرى أن حَكَمَة
الدابة
سميت بهذا المعنى لأنها تمنع الدابة من كثير من الجَهْل. وروى شمرٌ عن أبي
سعيد الضّرير أنه قال في قول النخعي: حَكِّمِ اليَتيم كما تُحكِّمُ ولدك؛
معناه حَكِّمْهُ في ماله ومِلْكِه إذا صلح كما تُحكِّمُ ولدك في مِلْكِه،
ولا يكون حَكَّمَ بمعنى أَحْكَمَ لأنهما ضدان؛ قال الأَزهري: وقول أبي
سعيد الضرير ليس بالمرضي. ابن الأَعرابي: حَكَمَ فلانٌ عن الأمر والشيء أي
رجع، وأَحْكَمْتُه أنا أي رَجَعْتُه، وأَحْكَمه هو عنه رَجَعَهُ؛ قال
جرير:
أَبَني حنيفةَ، أَحْكِمُوا سُفَهاءَكم،
إني أَخافُ عليكمُ أَن أَغْضَبا،
أي رُدُّوهم وكُفُّوهُمْ وامنعوهم من التعرّض لي. قال الأَزهري: جعل ابن
الأعرابي حَكَمَ لازماً كما ترى، كما يقال رَجَعْتُه فرَجَع ونَقَصْتُه
فنَقَص، قال: وما سمعت حَكَمَ بمعنى رَجَعَ لغير ابن الأَعرابي، قال: وهو
الثقة المأْمون. وحَكَمَ الرجلَ وحَكَّمَه وأَحْكَمَهُ: منعه مما يريد.
Ta'rifat
Jurjani
Hikma means knowledge coupled with action.